التعلم المستند إلى وظائف القلب
الحمد لله وحده، والصلاةُ والسلام على من لا نبي بعده.
في خبرٍ نشرَته إحدى القنوات الفضائيَّة قبل فترة؛ مُفاده أنَّ مجموعة من الأطبَّاء الأمريكان وجدوا مجموعةً من الخلايا العصبيَّة في جدار القلب، وأنَّ هذه الخلايا مسؤولة عن اتِّخاذ القرار في الجسم، وفي برنامج وثائقيٍّ عرضَته إحدى المحطات الأجنبيَّة ورَد خبر يتحدَّث عن اكتشافٍ جديد؛ مفاده أنَّ القلب هو أحد أهمِّ مراكز الذِّكريات والمواهب والقدرات الفكريَّة لدى الإنسان، وأنَّ هذا الدور ليس حكرًا على الدِّماغ، أمَّا البرهان القاطع على هذه الفرضيَّة فمَنحَته إحدى عمليَّات زرع القلب الغريبة التي تمَّت أخيرًا؛ حيث أُودع قلبُ شاعر توفِّي حديثًا صَدْرَ سائق شاحناتٍ هجَر المدرسةَ في الخامسة عشرة من عمره، وبعد الجراحة شرع سائقُ الشاحنات ذو الجسد المغطَّى بالأوشام، في كتابة القصائد، ولدى مقارنَة نصوص هذا السائق بقصائد الشاعر الرَّاحل الذي وهبه قلبَه، تبيَّن أنَّها متشابهة للغاية، وقد فسَّر العلماء ذلك بأنَّ القلب يَحتوي على خلايا عصبيَّة تؤدِّي دور دماغٍ صغير موصول بالدِّماغ الرَّئيسي، تتيح له أن يخزِّن الذِّكريات والميول الفكريَّة، لا المشاعر فحسب، ما يجعل متلقِّي القلب الموهوب يُصاب بعدوى سلوك الواهب وشخصيَّته وطباعه وذوقه، بل وحتى ثقافته.
وحينما تطورَت دراسات وأبحاث الدِّماغ والأعصاب، ظهر جليًّا في المجال التعليمي علم جديد يَستند على أبحاث الدِّماغ؛ لأنَّه وبحسب التطورات لفهم عمل الدِّماغ وإمكاناته وقدراته تطوَّر التعلُّمُ الذي يَستند إلى أعمال الدِّماغ، فمناطق الدماغ تتطوَّر في خطوات متتالية يُمكِن التنبُّؤ بها وبنتائجها بما يمكِّن من تحديد الوقت الأنسَب لتعلُّم المهارات الحركيَّة، فالدماغ قادر بالفِطرة على: استكشاف الأنماط، التذكُّر، إعادة التنظيم الذاتي، التعلم، تحليل البيانات، التأمُّل الذاتي، الإبداع، والابتكار.
السؤال الذي يَطفو على السطح هو: أين محلُّ العقل؟ هل محله القلب أم الدماغ؟
يخلط البعض في كون العقل محله الدِّماغ، ولكن العقل إنَّما محله القلب، قال تعالى في الآيات الدالَّة على ذلك:
1. ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
2. ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].
ولعلَّنا في هذا المقال سوف نركِّز على بعض الأمور التي يتَّضح معها بعضُ وظائف القلب، التي تجعل منه مركزَ العقل والعواطف والتأثير والتوجيه والإدراك، منها:
(1) حقائق عن القلب:
القلب: هو المحرِّك الذي يغذِّي أكثر من 300 مليون مليون خليَّة في جسم الإنسان، ويبلغ وزنه (250 – 300) غرام، وهو بحجم قَبضة اليد، وفي القلب المريض جدًّا يمكن أن يصل وزنه إلى 1000 غرام بسبب التضخُّم.
يقوم قلب الجنين في بطن أمِّه – بعد 21 يومًا من الحمل – بالعمل على ضخِّ الدَّم في مختلف أنحاء الجسد، وعندما يصبح الإنسان بالغًا يضخ قلبُه في اليوم أكثر من سبعين ألف لتر من الدَّم، وذلك كل يوم، هذه الكمية يضخها أثناء انقباضه وانبساطه، فهو يَنقبض أو يدقُّ كلَّ يوم أكثر من مائة ألف مرة، وعندما يصبح عمر الإنسان 70 سنة يكون قلبه قد ضخَّ مليون برميل من الدَّم خلال هذه الفترة!
(2) علاقة القلب بالدماغ:
يُخلق القلب قبل الدِّماغ في الجنين، ويبدأ بالنَّبض منذ تشكُّله وحتى موت الإنسان، ومع أنَّ العلماء يَعتقدون أنَّ الدِّماغ هو الذي ينظِّم نبضات القلب، إلا أنهم لاحظوا شيئًا غريبًا؛ وذلك أثناء عمليَّات زرع القلب، عندما يضعون القلبَ الجديد في صدر المريض يَبدأ بالنَّبض على الفور دون أن ينتظر الدِّماغ حتى يعطيه الأمر بالنبض.
وهذا يشير إلى استقلال عمَل القلب عن الدِّماغ، بل إنَّ بعض الباحثين اليوم يعتقد أنَّ القلب هو الذي يوجِّه الدماغَ في عمله، بل إنَّ كل خليَّة من خلايا القلب لها ذاكرة! ويقول الدكتور Schwartz: إنَّ تاريخنا مكتوب في كلِّ خلية من خلايا جسدنا.
الشيء الثابت علميًّا أنَّ القلب يتَّصل مع الدِّماغ من خلال شبكة معقَّدة من الأعصاب، وهناك رسائل مشتركة بين القلب والدماغ على شكل إشارات كهربائيَّة، ويؤكِّد بعضُ العلماء أنَّ القلب والدماغ يَعملان بتناسق وتناغم عجيب، ولو حدث أي خلَل في هذا التناغم ظهرَت الاضطرابات على الفور، ويقول الدكتور Armour: إنَّ للقلب نظامًا خاصًّا به في معالجة المعلومات القادمة إليه من مختلف أنحاء الجسم؛ ولذلك فإنَّ نجاح زرع القلب يَعتمد على النِّظام العصبي للقلب المزروع وقدرته على التأقلُم مع المريض.
(3) عملية الإدراك في القلب:
أجرى معهد رياضيات القلب العديدَ من التجارِب أثبَت من خلالها أنَّ القلب يبثُّ تردُّدات كهرطيسية تؤثِّر على الدِّماغ وتوجِّهه في عمله، وأنَّه من الممكن أن يؤثِّر القلب على عملية الإدراك والفهم لدى الإنسان، كما وجدوا أنَّ القلب يبث مجالاً كهربائيًّا هو الأقوى بين أعضاء الجسم؛ لذلك فمن المحتمل أن يسيطِر على عمل الجسم بالكامل، وفي تجارب جديدة تظهر تأثير القلب على الدِّماغ، وأنَّ تأثير هذا القلب أكبر ممَّا تصوره العلماء من قبل، كما وجدوا أنَّ دقَّات القلب تؤثِّر على الموجات التي يبثها الدماغ (موجات ألفا)، فكلَّما زاد عدد دقَّات القلب زادَت التردُّدات التي يبثها الدماغ.
ففي بحثٍ أجراه الباحثان Rollin McCraty وMike Atkinson وتمَّ عرضه في اللقاء السنوي للمجتمع البافلوفي عام 1999، جاءت نتيجة هذا البحث أنَّ هنالك علاقة بين القلب وعمليَّة الإدراك، وقد أثبت الباحثان هذه العلاقة من خلال قياس النَّشاط الكهرطيسي للقلب والدِّماغ أثناء عمليَّة الفهم؛ أي: عندما يحاول الإنسان فهم ظاهرةٍ ما، فوجدوا أنَّ عملية الإدراك تتناسَب مع أداء القلب، وكلما كان أداء القلب أقل كان الإدراك أقلَّ.
إنَّ النتائج التي قدَّمها معهد رياضيات القلب باهرة، وتؤكِّد على أنَّك عندما تَقترب من إنسان آخر أو تلمسه أو تتحدَّث معه، فإنَّ التغيُّرات الحاصلة في نظام دقَّات القلب لدى الإنسان تَنعكس على نشاطه الدماغي؛ أي: إنَّ القلب يؤثِّر على دِماغ مَن هو أمامه!
(4) دماغ في القلب:
إنَّ معدَّل نبضات القلب يتغيَّر تبعًا للحالة النفسيَّة والعاطفية للإنسان، ويؤكِّد الدكتور J. Andrew Armour أنَّ هناك دماغًا شديد التعقيد موجود داخل القلب، داخل كلِّ خليَّة من خلايا القلب؛ ففي القلب أكثر من أربعين ألف خليَّة عصبيَّة تعمل بدقَّة فائقة على تنظيم معدَّل ضربات القلب وإفراز الهرمونات وتخزين المعلومات، ثمَّ يتم إرسال المعلومات إلى الدماغ، هذه المعلومات تلعب دورًا مهمًّا في الفهم والإدراك؛ إذًا المعلومات تتدفَّق من القلب إلى ساق الدِّماغ، ثمَّ تدخل إلى الدماغ عبر ممرَّات خاصَّة، وتقوم بتوجيه خلايا الدِّماغ لتتمكَّن من الفهم والاستيعاب؛ ولذلك فإنَّ بعض العلماء اليوم يَقومون بإنشاء مراكز تهتم بدراسة العلاقة بين القلب والدِّماغ، وعلاقة القلب بالعمليَّات النفسيَّة والإدراكية، بعدما أدركوا الدور الكبير للقلب في التفكير والإبداع.
وبعد هذا كله، نؤكِّد على أهميَّة ظهور علم جديد في المجال التعليمي يَستند إلى القلب ويحاول دراسة “التعلُّم المستند إلى وظائف القلب”، ومضاعفة الجهود حول تَحديد أطره ومبادئه وأسسه وإستراتيجياته، بعد فهم عمله وتركيبه التي يَكتشفها العِلم الحديث بشكلٍ مستمرٍّ في هذا المجال بإذن الله؛ لتطوير العمليَّة التعليمية بما يعود على الطالب بالنفع، كذلك من المهمِّ التركيز على “التربية القلبية” في صياغة أهداف تستهدف القلب؛ ليدرِك معها المتعلِّم أمورًا جليَّة تساعده في رفع الكفاءة التعليمية لديه، وتغيير سلوكه إلى سلوك إيجابي في تَربيةٍ تثمر معها روحه؛ ليَرتقي بمعتقده وإيمانه وعلمه، فيكون فردًا صالحًا في هذا العالَم، كما أنَّه بهذه المضغة الصَّغيرة صلاح جسده كله أو فساد جسده كلِّه؛ كما أخبرنا بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فعن النُّعمان بن بشيرٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إنَّ في الجسَد مُضغةً إذا صلَحَت صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدَت فسد الجسدُ كُلُّه؛ ألا وهي القلبُ))؛ حديث صحيح.
المراجع:
(1) القرآن الكريم.
(2) بتصرف من موقع: www.kaheel7.com/ ar
(3) بتصرف من بحث القلب والعقل لقسطاس النعيمي من موقع:
http://www.jameataleman.org/main/articles.aspx?article_no=1176
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/94000/#ixzz7FqCw0JlK