تخطيط المنهج
رسمُ التقدُّم وتحقيقُ التعلُّم
إنَّ قضية التخطيط باتت من القضايا الْمُقَرَّرة لنجاح الأنظمة والمؤسسات بشتى أنواعها، وأصبحت دليلاً قائمًا بذاته على معيار التوافق بين النظرية والتطبيق، ولكن في حقل صياغة البناء النَّظري المتكامل والمتناسق في علم المناهج؛ فإنَّ البناء النظري التجريدي المتماسك داخليًّا غالبًا ما تتفكَّك أجزاؤه، ويَفقد تماسكَه حينما ينزل إلى الواقع بُغيةَ التطبيق.
أما في التخطيط الاقتصادي فإنَّ الخُطة الإستراتيجيَّة التي صاغها نبيُّ الله يوسف عليه السلام ونفَّذَها والتي تمكَّن من خلالها من التوزيع الدقيق، القائم على الحصر الشامل للسكَّان الأحياء خلال الأربعةَ عشرَ عامًا، وهذا النوع من التخطيط يُدعى في علم الإدارة بإدارة الأزمات، التي تهتمُّ بتطبيق نظام الطوارئ المخطَّط له؛ لعلاج تلك الأزمات.
وعندما نتحدَّث عن التخطيط فإنَّنا لا ننسى ذلك المخطِّطَ المُحبِّر والرأس المفكِّر والعقل المدبِّر لهدم الإنسان؛ (الشيطان الرَّجيم) الذي حذَّرَنا الله عز وجل منه؛ لأنه عدوُّ البشرية الأولُ، مبيِّنًا خطورة اتباع أثره ومخطَّطاته منذ خَلقِ أبينا آدم عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168].
يعتمد التخطيط على القدرات الخاصة للمخطِّط، وعلى وجود نظريَّة ونمطٍ لعمليَّة التخطيط نفسها، وعلى قوة الدافع (الدافعيَّة) التي برَزَت بشكل جليٍّ من خلال الحروب؛ لارتباطها بغريزة البقاء التي ساعدَت في صياغة الخُطَط وتطويرها؛ لتوجيه أكبر الإمكانات بُغيةَ تحقيق النصر، وكمثالٍ على ذلك: خلال الحرب العالميَّة الأولى التي كانت بين ألمانيا من جهة، وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى اتَّخذ كلٌّ من الطرفين التخطيطَ أسلوبًا لإدارة دفَّة الحرب، وتعبئة الموارد الاقتصادية لتجهيز الجيوش وإمدادها.
واعتمدت الدُّول المتصارعة على التخطيط؛ كوسيلةٍ مؤقَّتة لتنظيم عملية تحوُّل الدولة من ظروف السِّلم إلى الحرب، وما أن انتهت الحرب العالمية الأولى، حتى عصفَت بالكتلة الرأسمالية أزمة الكساد الكبير (1929 – 1932م)، فانخفضَت مستوياتُ الإنتاج والاستهلاك والدَّخل، وارتفعَت مستويات الأسعار، وتكدَّسَت السِّلَع في المخازن والمستودَعات؛ مما أدَّى إلى تسريح العمال وانتشار البطالة والفقر.
ارتبط مصطلح (التخطيط الإستراتيجي) بالمجال العسكري، وأصبح علمًا قائمًا بذاته، له خُطواته وإستراتيجياته؛ لتحقيق الأهداف المنشودة، وتقليل نسبة الخطأ، وما يُهم في الموضوع هو الإفادة من هذا العلم في تخطيط المناهج الذي اتَّسم في وقتٍ مضى بأنه تلقائي ومتزامن مع التنفيذ، ونتيجةً لشح المصادر التي كان يُعتمد عليها، والتي كانت تتميز بالمحدودية والتراكم الضعيف للآثار؛ الأمر الذي يجعل من تخطيط المنهج عمليَّة تتسم بالتخمين والتخرُّص؛ وذلك لعدم اعتماده على دراسات واقعيَّة تصف الحقيقة التي تطابق الواقع كأحد أوجُه قيمة البحث العلمي.
وحتى يكون تخطيطُ المنهج بعيدًا عن العشوائية، ومعتمدًا على دراسات علميَّة، وحتى يأخذ التخطيط مجراه الطبيعي، فلا بد أن يشتمل التخطيط على عدة شروط؛ من أهمِّها:
• وجود فلسفة تربويَّة واضحة المعالم، ومستمَدَّة من عقيدة المجتمع وفلسفتِه.
• وجود نظرية تربويَّة منبثِقة من الفلسفة التربويَّة.
• مواكَبة التطورات العلميَّة والتكنولوجية والتربوية والنفسيَّة المعاصرة.
ويضيف عادل سلامة (1429هـ) في كتابه “تخطيط المناهج المعاصرة” أنَّ هناك بعضَ الشروط الخاصة بالطلاب، على مخطِّطي المناهج ومصمِّميها الإلمامُ بها، وهي:
• معرفة معلومات مستفيضة عن احتياجات الطلاب أثناء قيامهم بمهمَّتهم التربوية.
• التغذية الراجعة FeedBack، واهتمامُ المعلِّم بالمادة، وحرية التعبير الذاتي، والاهتمام بالشخص.
كما أن هناك قواعد أساسية للتَّخطيط تُدعى (معاييرَ التخطيط):
• الواقعية.
• ترتيب الأولويَّات.
• الشمول.
• الاستمراريَّة.
• التكامل.
• التوازن.
ومما يجدر التنويه به معرفة مراحل تخطيط المنهج الذي يهتمُّ بتعليم الطالب وتنمية تفكيره؛ خاصة في هذا العصر الذي يتميَّز باهتمامه بمجالات التفكير، وتنميتها لدى الطلاب؛ نتيجة التطورات التكنولوجية، وتغيير الاتجاهات، وأزمة القيم، والاستعداد للمستقبل المستنِد على المهارات؛ لتلبية حاجات المجتمع والمتعلِّم.
مراحل تخطيط المنهج:
تمر عملية تخطيط المنهج بمراحلَ أربع، تتوجه جميعًا نحو التحديد الدقيق للواقع الحاليِّ للعملية التعليمية، وهذه المراحل:
1- تحديد أسس تخطيط المنهج: وهذه المرحلة تتوجَّه نحو تجميع البيانات والمعلومات عن:
• الواقع الحالي للمناهج.
• الاتجاهات والرُّؤى الجديدة والقضايا المؤثرة في المنهج.
• تصور ملامح المستقبل.
2- وضع الخطوات الرئيسة المتَّبَعة في تخطيط المنهج: يسير الإطار العلمي لرسم الخطة لتطوير المنهج من خلال:
• تحديد الحاجات.
• تحديد الأهداف.
3- وضع خطَّة التجريب الميداني.
4- تعميم التطبيق الميداني للمنهج المطوَّر.
وختامًا فإنَّ تخطيط المنهج هو عمليةُ هيكلة الخطط المنظَّمة التي تحقِّق الأهداف وتقترح الإجراءات والوسائلَ والأدوات اللازمة؛ للوصول لتلك الأهداف في بُعدين أو مستويَين أساسيين؛ هما:
• المنهج الدراسي (المستوى العام).
• الخطة التعليمية (الموقف التعليمي).
المراجع:
* هندي، صالح وآخرون (1412هـ): تخطيط المنهج وتطويره، دار الفكر، عمَّان، الأردن.
* الحارث، إبراهيم (1419هـ): تخطيط المناهج وتطويرها من منظور واقعي، مكتبة القري، الرياض.
* فالوقي، محمد هاشم (1997م): بناء المناهج التربوية، سياسة التخطيط وإستراتيجية التنفيذ، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، مصر.
* جلاتهورن، ألن أ (1415هـ): قيادة المنهج، ترجمة سلام وآخرون، مطابع جامعة الملك سعود، الرياض.
* سلامة، عادل أبو العز (1429هـ): تخطيط المناهج المعاصرة، دار الثقافة، عمَّان، الأردن.
* البشلاوي، هيثم (2014 م): التخطيط مصنع التاريخ، مقال، موقع البديل، مستورد بتاريخ 23/4/1436هـ.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/82684/#ixzz7FqFq9OZ0